فصل: وفاة الرشيد وبيعة الأمين.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.وفاة الرشيد وبيعة الأمين.

ولما سار عن بغداد إلى خراسان بلغ جرجان في سفر سنة ثلاث وتسعين وقد اشتدت عليه فبعث ابنه المأمون إلى مرو جماعة من القواد عبد الله بن مالك ويحيى بن معاذ وأسد بن خزيمة والعباس بن جعفر بن محمد بن الأشعث والسدي والحريشي ونعيم بن خازم ثم سار الرشيد إلى موسى واشتد به الوجع وضعف عن الحركة وثقل فأرجف الناس بموته وبلغه ذلك فأراد الركوب ليراه الناس فلم يطق النهوض فقال: ردوني ووصل إليه وهو بطوس بشير أخو رافع أسيرا بعث به هرثمة بن أعين فأحضره وقال: لولم يبق من أجلي إلاحركة شفتي بكلمة لقلت اقتلوه ثم أمر قصابا ففصل أعضاءه ثم أغمي عليه وافترق الناس ولما يئس من نفسه أمر بقبره فحفر في الدار التي كان فيها وأنزل فيه قوما قرؤا فيه القرآن حتى ختموه وهو في محفة على شفيره إليه وينادي واسو أتاه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مات وصلى عليه ابنه صالح وحضر وفاته الفضل بن الربيع وإسمعيل بن صبيح ومسرور وحسين ورشيد وكانت خلافته ثلاثا وعشرين سنة أو تزيد وترك في بيت المال تسعمائة ألف ألف دينار ولما مات الرشيد بويع الأمين في العسكر صبيحة يومه والمأمون يومئذ بمرو وكتب حموية مولى المهدي صاحب البريد إلى نائبه ببغداد وهو سلام أبو مسلم يعلمه بوفاة الرشيد وهنأه بالخلافة فكان أول من فعل ذلك وكتب صالح إلى أخيه الأمين مع رجاء الخادم بوفاة الرشيد وبعث معه بالخاتم والبردة والقضيب فانتقل الأمين من قصره بالخلد إلى قصر الخلافة وصلى بالناس الجمعة وخطب ثم نعى الرشيد وعزى نفسه والناس وبايعته جملة أهله ووكل سليمان بن المنصور وهو عم أبيه وأمه بأخذ البيعة على القواد وغيرهم ووكل السندي بأخذ البيعة على الناس سواهم وفرق في الجند ببغداد رزق سنين وقدمت أمه زبيدة من الرقة فلقيها الأمين بالأنبار في جمع من بغداد من الوجوه وكان معها خزائن الرشيد وكان قد كتب إلى معسكر الرشيد وهو حي مع بكر بن المعتمر لما اشتدت علة الرشيد وإلى المأمون بأخذ البيعة لهم وللمؤتمن أخيهما وإلى أخيه صالح بالقدوم بالعسكر والخزائن والأموال برأي الفضل وإلى الفضل بالاحتفاظ على ما معه من الحرم والأموال وأقر كل واحد على عمله كصاحب الشرطة والحرس والحجابة وكان الرشيد قد سمع بوصول بكر بالكتاب فدعاه ليستخرجها سنة فجحدها فضربه وحبسه ثم مات الرشيد وأحضره الفضل فدفعها إليه ولما قرؤا الكتاب تشاوروا في اللحاق بالأمين وارتحل الفضل بالناس لهواهم في وطنهم تركوا عهود المأمون فجمع المأمون من كان عنده من قواد أبيه وهم عبد الله بن مالك ويحيى بن معاذ وشبيب بن حميد بن قحطبة والعلاء مولى الرشيد وكان على حجابته والعباس بن المسيب بن زهير وكان على شرطته وأيوب بن أبي سمير وهو على كتابته وعبد الرحمن بن عبد الملك ابن صالح وذو الرياستين الفضل بن سهل وهو أخصهم به وأحظاهم عنده فأشار بعضهم أن يركب في أثرهم ويردوهم ومنعه الفضل من ذلك وقال: أخشى عليك منهم ولكن تكتب وترسل رسولك إليهم تذكرهم البيعة والوفاء وتحذرهم الحنث فبعث سهل بن صاعد ونوفلا الخادم بكتابه إليهم بنيسابور فقرأ الفضل كتابة وقال: أنا واحد من الجند وشد عبد الرحمن برجليه على سهل ليطعنه بالرمح وقال: رلم كان صاحبك حاضرا لوضعته فيه وسب المأمون وانصرفوا ورجع سهل ونوفل بالخبر إلى المأمون فقال له الفضل بن سهل هؤلاء أعداء استرحت منهم وأنت بخراسان وقد خرج بها المقنع وبعده يوسف البر فتضعضعت لهما الدولة ببغداد وأنت رأيت عند خرج رافع بن الليث كيف كان الحال وأنت اليوم نازل في أخوالك وبيعتك في أعناقهم فاصبر وأنا أضمن لك الخلافة فقال المأمون: قد فعلت وجعلت الأمر إليك فقال: إن عبد الله بن مالك والقواد أنفع مني لشهرتهم وقوتهم وأنا خادم لمن يقوم بأمرك منهم حتى ترى رأيك وجاءهم الفضل في منازلهم وعرض عليهم البيعة للمأمون فمنهم من امتنع منهم من طرده فرجع إلى المأمون وأخبره فقال أنت بالأمر وأشار عليه الفضل أن يبعث على الفقهاء ويدعوهم إلى الحق والعمل به وإحياء السنة ورد المظالم ويعقد على الصفوف ففعل جميع ذلك وأكرم القواد وكان يقول للتميمي نقيمك مقام موسى ابن كعب وللربعي مكان أبي داود وخالد بن إبراهيم ولليماني مكان قحطبة ومالك بن الهيثم وكل هؤلاء نقباء الدولة ووضع عن خراسان ربع الخراج فاغتبط به أهلها وقالوا: ابن أختنا وابن عم نبينا وأقام المأمون يتولى ما كان بيده من خراسان والري وأهدى إلى الأمين وكتب إليه وعظمه ثم إن الأمين عزل لأول ولايته أخاه القاسم المؤتمن عن الجزيرة واستعمل عليها خزيمة بن خازم وأقر المؤتمن على قنسرين والعواصم وكان على مكة داود بن عيسى بن موسى ابن محمد وعلى حمص إسحق بن سليمان فخالف عليه أهل حمص وانتقل عنهم إلى سلمية فعزله الأمين وولى مكانه عبد الله بن سعيد الحريشي فقتل عدة منهم وحبس عدة واضرم النار في نواحيها وسألوا الأمان فأجابهم ثم انتقضوا فقتل عدة منهم ثم ولى عليهم إبراهيم بن العباس.